التتار الجدد!

مسار جيوش التتار التي هاجمت ثم دمرت بغداد


علاء الدين محمد

حاصر التتار عاصمة الدولة العباسية "بغداد" من 3 محاور رئيسية على كل محور جيش جرار يكفي وحده لاقتحام المدينة وجلعها نسيًا منسيًا.

الحاكم كان في عالم غير العالم، فيروى أنه تحت الحصار كان يجلس في غرفته وترقص له إحدى جواريه، فجاء سهم تتري من مئات الأسهم التي تصوب ناحية المدينة من محاصريها وعبر أحد النوافذ فقتلها، فحزن الحاكم وأمر بالتالي (تشديد التحصينات على نوافذ القصر).

رئيس الوزراء شيعي عمل بكل طاقته لإضعاف الدولة وتفكيكها وتضليل حكامها وإخضاع رقابهم حتى تحين لحظة ذبحهم.

الجيش ضعيف العقيدة، هزيل العتاد، ظل رئيس الوزراء يبعده عن مهمته الأساسية ويقلص في عدده حتى أصبح الجنود يتسولون الطعام في الأسواق.

الشعب ممزق متنازع تسحقه أزمة اقتصادية أقرب إلى المجاعة، كلهم بلا استثناء مسحوقين، التقي فيهم والشقي، العالم فيهم والعابد، الصالح فيهم والطالح، الغني فيهم والفقير، المهموم بحال دينه وأمته والغير مبالي على الإطلاق.

قررت السلطة -وهي غير صاحبة قرار- أن تسلم إلى التتار، فكان أول من خرج إلى التتار خارج أسوار المدينة هم الحكام والوزراء الأمراء والأعيان والعلماء وكبار القوم ذوي الشأن، وكانوا أول من غدر بهم التتار فقتلهم.

ووضع الحاكم حيًا على الأرض، ومر عليه جنود الجيش التتري حتى مات نتيجة الدهس بالأقدام في ميتة ذل ما بعدها ذل، وطالما الموتة واحدة فلتكن بعز وفي سبيل الله ولكن سبق السيف العزل وسلم هؤلاء رقابهم منذ أمد وهم لا يشعرون .. أو حتى يشعرون!

دخل التتر المدينة الحصينة -أو حسب أهلها أنها كذلك- فاعملوا في أهلها الإذلال والتعذيب والاغتصاب والنهب والذبح والقتل والحرق لأيامًا عدة بلغت 40 يومًا، فاغتصبت النساء أمام أعين ذويهم -ذويهم الصامتين عن اغتصاب نساء المسلمين في كل المدن المجاورة لهم- واغتصبت بنات المسلمين في المساجد، التي كانت تشكو من هجر أهل المدينة لها لسنوات.

قتل شباب المدينة وذبحوا ذبحًا، من قرر منهم حمل السلاح ضد التتار ومن لم يكن يعرف معني كلمة قرار أو شكل السلاح، فلن يحقق معك التتر قبل قتلك.

قتل الشيوخ والعجائز، قتلوا ولم يجدوا من أبنائهم وأحفادهم من يدفن جثمانهم ويقرأ عليهم الفاتحة، قتل عجائز المدينة من ربى أبنائه على العز فمات عزيزًا ومن ربى أبنائه على الذل فمات ذليلاً وقتل من لم يربي أبنائه من الأساس!

ويروى أنه لم يكاد ينجو من الذبح سوى النصارى بالمدينة بعد توصية من زوجة قائد التتار -النصرانية- بذلك.

وفي كل فإن غالبية من نجى من الذبح والقتل قد مات لاحقًا من مرض الطاعون.

لم يكن غرض التتار هو احتلال المدينة والبقاء فيها وتعميرها واستصلاحها والاستفادة من مواردها، جل ما فعلوه هو القضاء على علمها وعلومها، وسرقة كنوزها وذهبها .. ورحلوا تاركين المدينة التي أضاءت العالم أجمع لعشرات السنين تقبع في ظلمات فوقها فوق بعض.

* أى تشابه بين التاريخ والحاضر، أي محاولات لإسقاطات على الواقع، هو تشابه مقصود وإسقاطات في محلها.

تعليقات